بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا واصلي وأسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه................... أما بعد:
فهذه مسائل ترددت مدة في كتابتها لأسباب كثيرة ومثبطات جسيمة ومن أبرزها:
1ـ إقتناعي بعض الشيء بقلة من يطلب الحق للحق لا للتعصب .
2ـ كثرة من كتب في هذه المسائل قديماً وحديثاً .
ولكن طلباً للثواب من الكريم التواب وطلب لنصرة الحق وإعلاء كلمته وتفاؤل بأناس من طلبة العلم همهم طلب الحق وسعيهم في الانقياد إليه كتبت هذه السلسة عسى أن يكون فيها فائدة لمستفيد وإيقاظ لمن كان للحق مريد ولاحول ولا قوة لي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب :
المسألة الأولى :الخطأ في تقرير توحيد الربوبية .
لأن التوحيد هو أعظم مطلوب فأبدأ به
وأول أقسامه على الاصطلاح الدراسي في المناهج التعليمية توحيد الربوبية :
توحيد الربوبية : هو إفراد الله تعالى بأفعاله ومنها الخلق والرزق والتدبير .
طبعاً ليس المراد التوسع في ذلك ولكن المقصود بيان المسألة بحدها ( تعريفها) وتطبيقها ومايرد عليها ووجه الانتقاد هنا:
فالمتأمل في الحد المذكور بعاليه يجد أن توحيد الربوبية منصب على اعتقاد العبد انفراد الله بأفعاله سبحانه وتعالى ثم ضٌرب أمثلة على أفعال الرب سبحانه وتعالى بذكر الخلق والرزق والتدبير وليست أفعال الرب سبحانه وتعالى محصورة في ذلك بل إنما هي أمثلة لبعض أفعاله.
إذا كان الأمر كذلك فهل كفار قريش وحدوا الله في الربوبية ( أي إفراده بأفعاله ) أم أنهم كفار في هذه المسألة ؟!
تتابع أهل التدريس على مختلف المستويات على قولهم إن كفار قريش موحدون في الربوبية !بدليل قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله))
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}
، وَقَوْلَهُ تَعَالَى{قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}
فأفادت الآيات الكريمة أن كفار قريش قد وحدوا الله في الربوبية . هكذا يقال .!!
وهذا الكلام غير صحيح لأسباب :
1ـ أن افعال الرب ـ سبحانه وتعالى ـ غير محصورة في الخالقية أو الرزق أو التدبير بل المذكور في الآيات شيء من أفعال المولى سبحانه وتعالى وليست كل أفعاله فكيف نقول أنهم قد وحدوا الله في أفعاله ( أي في ربوبته ) وهم قد جحدوا أشياء من أفعاله منها البعث والنشور فيقول قائلهم ـ وقد أخذعظم قد أرم ـ : يا محمد أتزعم أن ربك يعيد هذا ؟!!والقائل هو العاص بن وائل القرشي
وقال تعالى (( زعم اللذين كفروا أن لن يبعثوا ..) فأين التوحيد في الربوبية ؟ ! فكونهم اعترفوا ببعض الأفعال لا يعني ذلك توحيدهم في بقية الربوبية .بل لو أقروا بالبعث والنشور وسائر أفعال الخالق سبحانه وتعالى ثم اسثنوا نملة من مخلوقاته أو ذرة من التراب وقالوا خلق الله جميع الخلق إلا هذه النملة أو هذه الذرة من التراب ،لكانوا بذلك كفاراً غير موحدين في الربوبية .فكيف وقد جحدوا البعث والنشور وزعموا أن اصنامهم شريكة لله في التصرف والتدبير وغير ذلك من ترهاتهم؟
2ـ كونهم يقرون لله ببعض أفعاله لايعني أنهم ينفون الشريك له فيها ولذا فنكمل الآية السابقة حتى يتبين الحق ولا تجتزيء النصوص ونبترها فيخفى الحق عن طالبه وسأسوق الآيات السابقات وما يتبعها من آيات حتى يتكامل المعنى لدى طالب الحق ((، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ89 بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون 90 ما اتخذ الله من ولد وماكان معه من إله إذاً لذهب كل إله بماخلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون 91 عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون 92))
وهنا بارك الله بكم اكتملت الآيات واتضح المراد .
قال الإمام القرطبي في تفسيره: ((بل أتيناهم بالحق)) أي بالقول الصدق لا ما تقول الكفار من إثبات الشريك ونفي البعث . أ ـ هـ
وقد وضعت لك تحت كل شاهد على ما اسلفنا خطاً لتعلم أن الإقرار بالربوبية إنما هو إقرار ببعض الأفعال لا بكلها ودون نفي وجود الشريك من آلهة أخرى ولاحظ أخي رعاك الله قوله تعالى ((وماكان معه من إله إذاً لذهب كل إله بماخلق)
هل تتصور أن المولى عزوجل يخاطبهم بأمور لم تقع منهم بل ويدلل ببرهان التمانع على عقائد لم يعتقدوها !!سبحانه وتعالى عن ذلك