ابن تيمية يقول ( إن النار تفنى ) والألباني يخطئه فيها ويقول ( إنها لا تفنى )
وهي مسألة عقائدية خطيرة .
ثبت أن ابن تيمية يقول بفناء النار ويدعي أن في المسألة نزاعاً معروفاً عن التابعين ومن بعدهم فيها ، والكل منا يعرف أن هذه المسألة من مسائل العقيدة لأنها لا تذكر في باب الوضوء من كتب الفقه ولا في باب الحيض والنفاس ولا في غير ذلك من الأبواب كالإجارة والنكاح وغيرها !! فإذن هي من مسائل أصول الإعتقاد ومع ذلك جرى الخلاف فيها بين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من جهة وبين الألباني من جهة أخرى . وإليك ذلك باختصار :
....... قال الألباني في مقدمة كتاب رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار لمحمد بن إسما عيل الأمير الصنعاني ص 7 ما نصه :
فأخذت في البطاقات نظراً وتقليباً ، عما قد يكون فيها من الكنوز بحثاً وتفتيشاً ، حتى وقعت عيني على رسالة للإمام الصنعاني ، تحت اسم : رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار . في مجموع ، رقم الرسالة فيه : (2619) ، فطلبته ، فإذا فيه عدة رسائل ، هذه الثالثة منها ، فدرستها دراسة دقيقة واعية ، لأن مؤلفها الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى رد فيها على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ميلهما إلى القول بفناء النار ، بأسلوب علمي رصين دقيق ، من غير عصبية مذهبية ، ولا متابعة أشعرية ولا معتزلية ، كما قال هو نفسه رحمه الله تعالى في آخرها .
وقد كنت تعرضت لرد قولهما هذا منذ أكثر من عشرين سنة بإيجاز في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة في المجلد الثاني منه ص 71 - 75 ) بمناسبة تخريجي فيه بعض الأحاديث المرفوعة ، والآثار الموقوفة التي احتجا ببعضها على ما ذهبا إليه من القول بفناء النار ، وبينت هناك وهاءها وضعفها ، وأن لابن القيم قولاً آخر ، وهو أن النار لا تفنى أبداً ، وإن لابن تيمية قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار .
وكنت توهمت يومئذ أنه يلتقي فيها مع ابن القيم في قوله الآخر ، فإذا بالمؤلف الصنعاني يبين بما نقله عن ابن القيم أن الرد المشار اليه إنما يعني الرد على من قال بفناء الجنة فقط من الجهمية دون من قال بفناء النار ! وأنه هو نفسه أعني ابن تيمية يقول بفنائها ، وليس هذا فقط !
بل وأن أهلها يدخلون بعد ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار !!
وذلك واضح كل الوضوح في الفصول الثلاثة التي عقدها ابن القيم لهذه المسألة الخطيرة في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح 2/167- 228 .
وقد حشد فيها من خيل الأدلة ورجلها ، وكثيرها وقلها ، ودقها وجلها ، وأجرى فيها قلمه ، ونشر فيها علمه وأتى بكل ما قدر عليه من قال وقيل ، واستنفر كل قبيل وجيل ، كما قال المؤلف رحمه الله .
ولكنه أضفى بهذا الوصف على ابن تيمية ، وابن القيم أولى به وأحرى ، لأننا من طريقه عرفنا رأي ابن تيمية ، في هذه المسألة ، وبعض أقواله فيها .
وأما حشد الأدلة المزعومة وتكثيرها ، فهي من ابن القيم وصياغته ، وإن كان ذلك لا ينفي أنه تلقى ذلك كله أو جله من شيخه في بعض مجالسه . انتهى . فتأملوا !!
وقال الألباني أيضاً في مقدمة ( رفع الأستار ) ص 25 ما نصه :
فكيف يقول ابن تيمية : ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة !
فكأن الرحمة عنده لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين !
أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبعده هو ومن تبعه عن الصواب في هذه المسالة الخطيرة ؟! . انتهىكلام الألباني .
قلت : ومن رجع إلى كتاب الأرواح لابن القيم ، وما كتبه الألباني في مقدمة ( رفع الأستار ) يتحقق أن الألباني مخالف لابن تيمية وابن القيم ومن تبعهما في هذه المسألة العقائدية التي وصفها بأنها خطيرة ، لا سيما وقد صرح بقوله كما تقدم .
( أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبعده هو ومن تبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة ؟! )
ومن العجيب الغريب أننا رأينا في هذه الأيام كتاباً لرجل معاصر مقلد لابن تيمية وهو يرد فيه على الألباني تعديه بزعمه على ابن القيم وابن تيمية سماه :
القول المختار لبيان فناء النار . واسم مؤلفه : عبد الكريم صالح الحميد طبع مطبعة السفير - الرياض الطبعة الأولى 1412 هـ !!
ويمكننا أن نجمل ما في الكتاب بنقل خلاصته المهمة وهي من ص 13- 14 : قال عبد الكريم صالح الحميد - مقلد ابن تيمية - في رده على الألباني ما نصه :
فصل : الباعث لكلامنا في هذه المسألة : كنت أسمع من يقول : في كتب ابن القيم أشياء ما تصلح مثل ( حادي الأرواح ) وغيره ، والبعض يقول : لعل ذلك قبل اتصاله بشيخه أو أنه دخل عليه من ابن عربي ، ولا أدري ما المراد ولكني أنفي أن يكون في كتب ابن القيم شئ ما يصلح ! حتى وصلت إلى نسخة ( رفع الأستار ) للصنعاني وفيها مقدمة الألباني وتعليقه ، فلما قرأت المقدمة عرفت السر الذي من أجله تكلم من تكلم بكتب ابن القيم فقد رأيت تهجماً عنيفاً من الألباني على الشيخ وتلميذه لا صبر عليه ، حيث قال : سقطا بما سقط به أهل البدع والأهواء من الغلو في التأويل وأن ابن القيم انتصر لشيخه في ذلك . وأن ابن تيمية يحتج لهذا القول بكل دليل يتوهمه ويتكلف في الرد على الأدلة المخالفة له تكلفاً ظاهراً .
وقال : حتى بلغ بهما الأمر إلى تحكيم العقل فيما لا مجال له فيه كما يفعل المعتزلة تماماً . حتى زعم أن تأويل المعتزلة والأشاعرة لآيات وأحاديث الصفات كاستواء الله على عرشه ونزوله إلى السماء ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من التأويل أيسر من تأويل ابن القيم النصوص من أجل القول بفناء النار .
وقال : فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به القدم فقال قولاً لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه . وغير ذلك من طعن الألباني وقدحه على الشيخ وتلميذه في مقدمة ( رفع الأستار ) .
فلذلك كتبت في المسألة دفاعاً عنهما وبياناً بأن الحق معهما وأنا على بصيرة من ذلك حيث دعوت للمباهلة من أول المسألة .
وهناك خصم آخر لعبد الكريم صالح الحميد يدرس في جامعة أم القرى بمكة صنف رسالة سماها : كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار !!
حاول أن ينفي فيها القول بفناء النار عن ابن تيمية ، مع أنه ثابت عنه كالشمس كما قال الألباني حفظه الله !!
ومنه يتبين أنهم يموجون في العقيدة ويضطربون كاضطراب الريح !! وهم متنازعون في هذه المسألة الإعتقادية !! فنقول الآن :
أين الحق في هذه المسألة العقائدية هل هو عند ابن تيمية وابن القيم القائلين بفناء النار ؟ أم عند الألباني القائل ببقائها ؟!!
ولماذا يختلف هؤلاء في أصول العقيدة فيما بينهم ، وينعون على غيرهم الإختلاف والمباينة عنهم في أصول عقيدتهم ؟!!
تنبيه مهم :
ينبغي أن نعلم أن القول بفناء النار هو رأي الجهم بن صفوان كما تجد ذلك في (لسان الميزان 2/334 السطر الرابع من أسفل الطبعة الهندية في ترجمة أبي مطيع البلخي ) ، فالجهم بن صفوان هو سلف من يقول بفناء النار !